الحب في جوهره شعور يمنح الدفء والأمان، لكنه حين يتقاطع مع اضطراب الشخصية الحدية يتحول إلى رحلة مليئة بالتناقضات الحادة. فالعاطفة هنا ليست مجرد مشاعر عابرة، بل عواصف داخلية تضرب بلا توقف. من يعيش هذا الاضطراب يجد نفسه دائمًا بين حافة التعلق الشديد والرهبة العميقة من الهجر.
الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية لا يرى العالم كما يراه الآخرون. فإحساسه بالذات هشّ ومتغير، وثقته بالآخرين مهزوزة. قد يشعر في لحظة أنك المنقذ الوحيد له، الشخص الذي يفهمه ويكمل وجوده. لكن في لحظة أخرى، وبسبب كلمة أو تصرف صغير قد لا تقصده، يتحول إحساسه إلى الغضب العارم والاتهام بالخيانة أو الاستعداد للرحيل.
هذه التقلبات ليست مجرد "مزاج متقلب"، بل انعكاس لصراع داخلي عميق: خوف دائم من الرفض، وجرح قديم من الفقد أو الإهمال، واحتياج هائل للطمأنينة لا يرويه شيء.
لكن ماذا عن الطرف الآخر؟ عن المرافق أو الشريك الذي يعيش في قلب هذه الدوامة؟
الحياة بجوار شخص حدي قد تكون أشبه بمشي متواصل فوق جسر متصدع. فأنت لا تعرف متى سينهار الجزء التالي من الطريق. في لحظة تشعر أنك محبوب إلى أقصى الحدود، وأنك مركز حياة شريكك. وفي اللحظة التالية قد تُقابل ببرود أو اتهامات جارحة. هذا التناقض المتواصل يخلق إنهاكًا نفسيًا عميقًا.
الكثير من المرافقين يصفون هذه العلاقة بأنها خليط من الحنان المفرط والخذلان المتكرر. فهي علاقة تستهلك المشاعر بشكل مضاعف: أوقات من القرب الحميمي يتبعها فترات من الانفجار أو الانسحاب. وهنا يصبح السؤال: كيف يمكن الاستمرار في علاقة كهذه؟
الحقيقة أن الاستمرار ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب وعيًا عميقًا من الطرفين. فالمريض بحاجة إلى علاج نفسي متخصص يساعده على تنظيم مشاعره وفهم مخاوفه، بينما يحتاج المرافق إلى وضع حدود واضحة تحميه من الاستنزاف العاطفي. الحدود هنا لا تعني القسوة، بل هي شكل من أشكال الرعاية المتبادلة، لأنها تمنح الطرفين مساحة للتنفس.
على سبيل المثال، قد يحتاج المرافق أن يوضح أنه موجود وملتزم، لكنه لن يقبل السلوكيات المؤذية أو الانفعالات المتكررة التي تتجاوز حدود الاحترام. هذه الرسائل الحازمة – إذا قُدمت بحب وهدوء – يمكن أن تخلق نوعًا من الأمان بدلًا من الفوضى.
من ناحية أخرى، من المهم ألا ينسى المرافق نفسه وسط هذه المعركة. فالرغبة في إنقاذ الآخر قد تدفعه إلى التضحية المستمرة، حتى يفقد توازنه وصحته النفسية. لذا يحتاج أيضًا إلى دعم، سواء من أصدقاء، أو مجموعات مساندة، أو حتى من مختص نفسي يساعده على فهم الديناميات المعقدة لهذه العلاقة.
في النهاية، اضطراب الشخصية الحدية ليس لعنة على العلاقة، لكنه تحدٍ قاسٍ يتطلب شجاعة وصبرًا ووعيًا. الفهم هو الخطوة الأولى، يليه التعاطف، ثم التمسك بالحدود الصحية. بهذا الشكل يمكن للحب أن يبقى حاضرًا، حتى وسط عواصف الكراهية والخوف.
فوراء كل غضب، وكل تقلب، هناك صرخة صامتة:
"أرجوك، لا تتركني."
📌 المصادر والدعم:
للمزيد من محتوى Psychological.net:
🔗 https://linktr.ee/Psychological.net
⚠️ تنويه:
هذا المحتوى للتوعية فقط، ولا يُعد استشارة طبية أو نفسية أو نفسية-عقلية. من فضلك استشر مختصًا مرخصًا إذا كنت تحتاج إلى دعم شخصي.

Comments
Post a Comment