قد يبدو الأمر غريبًا في البداية: لماذا نحب من لا يحبنا؟
لماذا نتمسك بعلاقة من طرف واحد، رغم الألم والخذلان، وكأننا لا نستطيع العيش بدون هذا الشعور؟
الحقيقة أن وراء هذا الميل العاطفي المؤلم أسبابًا نفسية عميقة تتعلق بطفولتنا، وإحساسنا بالذات، وطريقتنا في فهم الحب نفسه.
🩶 الجرح الأول
في كثير من الأحيان، يبدأ هذا النمط منذ الطفولة.
حين لا نحصل على الحب الكافي أو القبول غير المشروط من أحد الوالدين، نتعلم أن الحب يجب أن يُكسب، لا أن يُمنح.
فننشأ ونحن نحمل فكرة أن علينا أن نُرضي الآخرين، أن نكون مثاليين، حتى نستحق أن نُحب.
وحين نكبر، نعيد تمثيل هذا السيناريو القديم في علاقاتنا العاطفية دون وعي.
💔 التعلق بالألم
الإنسان بطبيعته يبحث عن ما هو مألوف، حتى لو كان مؤلمًا.
فالألم الذي نعرفه يبدو أكثر أمانًا من المجهول الذي لا نعرفه.
لذلك ننجذب إلى العلاقات التي تُعيد إلينا نفس المشاعر القديمة — الرفض، الانتظار، القلق — لأنها تشبه الماضي الذي لم نُشفَ منه بعد.
وفي داخلنا رغبة دفينة أن ننتصر هذه المرة، أن نحصل على الحب الذي حُرمنا منه قديمًا، فنشعر بالاكتمال أخيرًا.
🔁 وهم الإصلاح
نقول لأنفسنا: "سيتغير من أجلي"، "سيحبني حين يفهمني أكثر"،
لكن الحقيقة أن هذا ليس حبًا، بل محاولة غير واعية لإصلاح الجرح القديم.
نحاول أن نحصل من الآخرين على ما لم نحصل عليه من والدينا.
ومع كل رفض جديد، يشتعل فينا الأمل أكثر بدلًا من أن يخمد.
نصبح أسرى دائرة لا تنتهي من التعلق والخذلان، نبحث عن الدفء في مكان بارد.
💡 الحب ليس معركة
الكثيرون يظنون أن الحب الحقيقي يجب أن يكون صعبًا،
أن الألم جزء منه، وأن التضحية علامة على قوته.
لكن الحقيقة أبسط بكثير:
الحب الصحي لا يُرهقك، لا يجعلك تشك في قيمتك،
ولا يجعلك تطارد من يهرب منك.
الحب الحقيقي يجعلك تشعر بالأمان، لا بالقلق.
إنه لا يحتاج إلى إثبات ولا صراع، بل إلى صدق وهدوء وراحة.
🪞 التعلق أم الحب؟
غالبًا ما نخلط بين التعلق والحب.
التعلق يعني: "أحتاجك لأشعر أني بخير".
أما الحب فيعني: "أنا بخير، وأختارك لأشاركك حياتي."
التعلق يُشعل النار، الحب يُطفئها.
التعلق يستهلكك، الحب يبنيك.
حين تتعلم هذا الفرق، تبدأ في التحرر من العلاقات التي تؤذيك.
🌱 الشفاء يبدأ منك
أقسى لحظة هي تلك التي تدرك فيها أن ما كنت تظنه حبًا،
كان مجرد محاولة لتشعر أنك تستحق أن تُرى.
لكنها أيضًا اللحظة التي تبدأ فيها رحلة الشفاء.
حين تلتفت إلى نفسك، حين تتعلم أن تمنحها القبول الذي كنت تنتظره من غيرك،
تبدأ في بناء علاقة جديدة — مع ذاتك أولًا.
وحين تحب نفسك بصدق، لن تقبل أن تكون خيارًا مؤقتًا في حياة أحد.
💬 في النهاية
الحب الذي يأتي بعد الوعي مختلف.
لن تسعى فيه وراء من لا يريدك،
ولن تقبل بالقليل،
لأنك عرفت أخيرًا أن قيمتك لا تُقاس بعدد من يحبك،
بل بقدرتك على حب نفسك دون شروط.
تعلم أن تترك ما يؤلمك،
وأن تختار من يراك كما أنت، لا كما يريدك أن تكون.
فمن يحبك بحق، لن يجعلك تشك لحظة أنك محبوب.
💬 إخلاء المسؤولية:
هذا المقال لأغراض تعليمية فقط، ولا يُعتبَر استشارة طبية أو نفسية أو علاجية.
يرجى استشارة مختص نفسي مرخَّص للحصول على دعم شخصي.
#لماذا_نحب_من_لا_يحبنا, #علم_النفس, #العلاقات, #الحب, #الرفض, #العلاقات_السامّة, #تقدير_الذات, #حب_النفس, #العلاقات_العاطفية, #وعي_ذاتي, #نصائح_نفسية, #Psychological_net, #مشاعر, #تحليل_نفسي
Comments
Post a Comment