بين الأمان والشغف: لماذا يقع البعض في حب شخصين معاً؟

 

مقدمة

الحب من أعمق المشاعر الإنسانية وأكثرها تأثيراً على حياتنا النفسية والاجتماعية. لطالما صُوّر في الأدب والفن باعتباره قوة مطلقة توجه الإنسان نحو شخص واحد فقط، وكأن القلب لا يتسع إلا لحب واحد حقيقي. لكن الواقع أكثر تعقيداً. كثير من الناس يعترفون بأنهم شعروا بالانجذاب أو حتى بالحب تجاه أكثر من شخص في نفس الوقت. هذا الاعتراف يثير تساؤلات كبيرة: هل يمكن حقاً أن نحب شخصين بصدق في آن واحد؟ أم أن ما يحدث ليس حباً بل مجرد تشتت عاطفي أو هروب من الفراغ الداخلي؟

الحب كظاهرة نفسية معقدة

علم النفس يرى أن الحب ليس مجرد شعور واحد، بل هو مزيج من الانجذاب العاطفي، الرغبة الجسدية، والالتزام العقلي. هذا المزيج قد يظهر بشكل مختلف مع كل شخص نقابله. فربما نجد مع أحدهم الأمان والاحتواء، بينما نشعر مع الآخر بالشغف والإثارة. وهنا ينشأ الصراع: هل نستطيع الموازنة بين الاثنين، أم أن ذلك يخلق تناقضاً يستحيل استمراره؟

بين الأمان والشغف

الكثيرون يقعون في حب شخص يمنحهم الطمأنينة والراحة النفسية، لكنهم في الوقت ذاته ينجذبون لشخص آخر يوقظ فيهم المغامرة والحرارة العاطفية. هذا التناقض قد يبدو غريباً، لكنه يعكس حقيقة الطبيعة البشرية التي تبحث عن التوازن بين الاستقرار والإثارة.

هل هو حب أم مجرد احتياجات؟

النقطة الجوهرية التي يجب التفكير فيها هي: هل هذا الشعور تجاه شخصين مختلفين يعكس حباً حقيقياً، أم أنه مجرد محاولة لسد فجوة لم تملأها علاقة واحدة؟ أحياناً قد يكون الأمر تعبيراً عن احتياجات متناقضة داخل النفس، مثل الحاجة إلى الأمان في مقابل الحاجة إلى الحرية.

الانعكاسات النفسية

الانجذاب لشخصين في وقت واحد قد يخلق صراعاً داخلياً مرهقاً، حيث يشعر الشخص بالذنب والخيانة، أو يعيش حالة دائمة من التردد. علم النفس يؤكد أن هذا النوع من الانقسام العاطفي غالباً ما يولد التوتر، القلق، والشعور بعدم الرضا عن النفس.

تأثيره على العلاقات

من منظور العلاقات، فإن محاولة الجمع بين شخصين في حياة عاطفية واحدة كثيراً ما يؤدي إلى نتائج مؤلمة. الغيرة، فقدان الثقة، وانعدام الوضوح هي نتائج شائعة لمثل هذا الوضع. حتى إذا شعر الشخص بصدق مشاعره تجاه كلا الطرفين، فإن الواقع العملي يفرض الاختيار عاجلاً أم آجلاً.

لماذا يحدث ذلك؟

هناك عدة أسباب نفسية قد تفسر هذا السلوك:

  1. الخوف من الوحدة: البحث عن أكثر من مصدر للحب لتغطية الفراغ الداخلي.

  2. نقص الإشباع: علاقة واحدة لا تحقق جميع الاحتياجات، فيبحث الشخص عن مكمل عاطفي آخر.

  3. الرغبة في التجديد: الميل إلى المغامرة وكسر الروتين العاطفي.

  4. ضعف الحسم: صعوبة اتخاذ القرارات الحاسمة والالتزام بخيار واحد.

هل هو ضعف أم غنى عاطفي؟

البعض يعتبر الوقوع في حب شخصين علامة على الضعف وعدم القدرة على الالتزام. بينما يرى آخرون أنه دليل على غنى داخلي وقدرة على تجربة مشاعر متعددة. لكن ما يغفل عنه الكثيرون هو أن العلاقات تحتاج إلى وضوح وصراحة، وهذا ما لا يتحقق غالباً عندما ينقسم القلب بين شخصين.

الطريق إلى الوضوح

إذا وجدت نفسك في هذا الموقف، فالمفتاح هو الصدق مع النفس أولاً. اسأل نفسك:

  • هل ما أشعر به حب حقيقي أم مجرد هروب من نقص ما؟

  • هل أنا مستعد لتحمل عواقب الاستمرار في هذه الحالة؟

  • ما الذي أبحث عنه في العلاقة: الطمأنينة أم الإثارة؟

الإجابات الصريحة قد تكون مؤلمة، لكنها السبيل الوحيد لاتخاذ قرار سليم يحفظ كرامتك وكرامة الآخرين.

الخاتمة

الحب الحقيقي ليس في تعدد الأشخاص الذين نشعر تجاههم بالعاطفة، بل في القدرة على الالتزام بصدق مع من نختاره. صحيح أن القلب قد يتسع لمشاعر متعددة، لكن العلاقات الصحية تحتاج إلى وضوح وثبات. لذلك، فإن محاولة الموازنة بين شخصين غالباً ما تنتهي بخسارة كلا الطرفين ومعاناة داخلية طويلة.

الحب ليس مجرد شعور، بل مسؤولية واختيار. وعندما يكون صادقاً، فإنه لا يربكك بل يمنحك الطمأنينة والسلام الداخلي.


⚠️ التنويه :

هذا المقال لأغراض تعليمية فقط ولا يشكل نصيحة طبية أو نفسية أو علاجية.
يرجى استشارة مختص نفسي مرخص للحصول على دعم شخصي.


#علم_النفس #الحب #العلاقات #الصراع_الداخلي #الوعي_النفسي #Psychological_net

Comments